شهادة عن حمص ومصفاتها من أجل حقوق الأجيال القادمة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
شهادة عن حمص ومصفاتها من أجل حقوق الأجيال القادمة
كنت طفلاً عندما حضرت مهرجان الاحتفال بتدشين مصفاة حمص عام 1959، الذي جرى برعاية الدكتور عزيز صدقي رئيس أو نائب رئيس الوزراء في الجمهورية العربية المتحدة على ما أذكر، وبقيت سنوات مبهوراً برؤية ذلك المصنع الضخم، الذي عدّوه أهم إنجازات دولة الوحدة.
منذ ذلك التاريخ، دخلت المصفاة حياتنا، وانشغلنا بها نحن أبناء حمص من جوانب عديدة. فقد أتاحت المصفاة تشغيل قطاعات واسعة من العمال والمهندسين والموظفين، أصبح عددهم اليوم نحو 4500، وصاروا أكبر كتلة عمالية في المحافظة، وربما في القطر. لها ثقل اجتماعي وحزبي وازن، وشكّلت مع عائلاتها آثاراً ملحوظة نجدها في عدة مواقع من المدينة: كبنايات عمال المصفاة، ونادي المصفاة، وحافلات المصفاة... إلخ، فضلاً عن وجود مجموعة خبراء شركة تكنوإكسبورت ـ تشيكوسلوفاكيا المنفذة وعائلاتهم وبنائهم المتميز وسط المدينة.
أما المصفاة نفسها فقد احتلت مساحة 4 كم2، أقيمت على مسافة 7 كم غربي حمص بجانب خط السكة الحديدية والطريق الأسفلتي الدولي الواصل إلى طرابلس وطرطوس، على مقربة من نهر العاصي وبحيرة قطينة، وكان هذان العاملان (شبكة المواصلات والمياه)، فضلاً عن مرور خط البترول القادم من العراق والذاهب إلى ميناء التصدير في بانياس، هي العوامل الحاسمة في تقرير موقع المصفاة، إضافة إلى عوامل القرب من المدينة التي توفر اليد العاملة والخدمات، وذلك نظراً إلى افتقار الدولة للموارد المالية حينذاك، فضلاً عن ضعف الوعي البيئي، لا محلياً فقط بل وعالمياً أيضاَ في ذلك الوقت.
النتيجة هي أن المصفاة أصبحت بسرعة جزءاً من حياة حمص، وما زالت، لكن قيمة دورها الاقتصادي والانبهار بإنجازها التكنولوجي لم يستمرا طويلاً، وإن كانا أطول قليلاً من العمر القصير لدولة الوحدة. فقد بدأت قضية التلوث تظهر شيئاً فشيئاً، وتتطور مع تطور المصفاة من جهة وازدياد الوعي البيئي من جهة أخرى، حتى صارت إلى ما هي عليه اليوم.
كان التحذير من أخطار تلويث المصفاة للبيئة هامشياً في البداية، حين طرح مشروع إنشائها في البرلمان السوري قبيل الوحدة، وإذا كان صحيحاً ما يقال عن اتهام الأصوات القليلة المحذرة من إنشائها قرب المدينة بأنها أصوات يمينية وحتى متآمرة، تريد تأخير المشروع وعرقلة تنفيذه مع إحدى دول المعسكر الاشتراكي نظراً لطغيان الأصوات اليسارية في ذلك الزمن، فيبدو من غير المستغرب اختصار النقاش البرلماني ـ الحكومي والوطني تحت وطأة خطاب انتصاري لكسر الاحتكار الغربي لصناعة النفط والانفتاح على المعسكر الشرقي في سبيل تحقيق ذلك. وكان من الطبيعي أن تتغلب العوامل الاقتصادية وحدها في ذلك النقاش، وأن يلعب عامل تقليص النفقات الدور الأبرز في حذف خيارات أخرى اقترحت لموقع المصفاة بعيداً عن الموقع الحالي.
وبقي ذلك الحديث عن التلوث هامشياً لفترة لاحقة أيضاًً، انعكاساً لضعف الوعي البيئي من جهة، ونظراً لبقاء ذلك التلوث نفسه محدوداً بطبيعة النفط العراقي الخفيف، وبطاقة تكرير لم تكن تتجاوز طوال سنوات عشر المليون طن سنوياً. لكن الحديث عن التلوث بدأ يتصاعد مع إطلاق مشروع التوسيع الثاني للمصفاة عام 1969، وبه انتقلت المصفاة إلى تكرير النفط السوري الثقيل بطبيعته، لتصل طاقتها الإنتاجية من تكرير نفط المصدرين إلى 2.7 م. طن.
فمع هذه المرحلة أصبح هواء مدينة حمص مختلفاً ومتميزاً برائحة يستغربها كل أبناء المدن الأخرى عندما يمرون فيها، أما أبناء المدينة فقد اعتادوا عليها، إلى درجة أنهم يجدون هواء المدن الأخرى غير مستساغ ودون طعمة! (أقصد بلا رائحة).
وهكذا، أخذ الحديث ينتقل من الانبهار العاطفي إلى الحديث النقدي، وبدأ الوعي بالتلوث ينتشر، فلم تعد أفكار مثل النظافة والقذارة والرائحة وغيرها كافية لتفسير ما يحدث للبيئة، بل أصبحت أفكار مثل تغير بيئة حمص واختلال توازن الطبيعة وتدمير مستقبل الحياة في المدينة وما حولها وحرمان الأجيال القادمة من تأمين حاجاتها، هي أفكار أكثر قدرة وملاءمة للتعبير عن الهم البيئي.
ومع تطور هذا الوعي، وتحت ضغط الضجيج الصادر عن أهالي حمص وبعض المسؤولين، بدأ التدخل لمعالجة آثار التلوث المرتبط بالمصفاة، وساير بدرجات متفاوتة المراحل اللاحقة من تطورها.
تطور مشاريع توسيع المصفاة
ـ في التوسيع الثاني عام 1969 بدأ تكرير النفط السوري، ووصلت طاقة تكرير المصفاة إلى 2.7 م. طن سنوياً.
منذ ذلك التاريخ، دخلت المصفاة حياتنا، وانشغلنا بها نحن أبناء حمص من جوانب عديدة. فقد أتاحت المصفاة تشغيل قطاعات واسعة من العمال والمهندسين والموظفين، أصبح عددهم اليوم نحو 4500، وصاروا أكبر كتلة عمالية في المحافظة، وربما في القطر. لها ثقل اجتماعي وحزبي وازن، وشكّلت مع عائلاتها آثاراً ملحوظة نجدها في عدة مواقع من المدينة: كبنايات عمال المصفاة، ونادي المصفاة، وحافلات المصفاة... إلخ، فضلاً عن وجود مجموعة خبراء شركة تكنوإكسبورت ـ تشيكوسلوفاكيا المنفذة وعائلاتهم وبنائهم المتميز وسط المدينة.
أما المصفاة نفسها فقد احتلت مساحة 4 كم2، أقيمت على مسافة 7 كم غربي حمص بجانب خط السكة الحديدية والطريق الأسفلتي الدولي الواصل إلى طرابلس وطرطوس، على مقربة من نهر العاصي وبحيرة قطينة، وكان هذان العاملان (شبكة المواصلات والمياه)، فضلاً عن مرور خط البترول القادم من العراق والذاهب إلى ميناء التصدير في بانياس، هي العوامل الحاسمة في تقرير موقع المصفاة، إضافة إلى عوامل القرب من المدينة التي توفر اليد العاملة والخدمات، وذلك نظراً إلى افتقار الدولة للموارد المالية حينذاك، فضلاً عن ضعف الوعي البيئي، لا محلياً فقط بل وعالمياً أيضاَ في ذلك الوقت.
النتيجة هي أن المصفاة أصبحت بسرعة جزءاً من حياة حمص، وما زالت، لكن قيمة دورها الاقتصادي والانبهار بإنجازها التكنولوجي لم يستمرا طويلاً، وإن كانا أطول قليلاً من العمر القصير لدولة الوحدة. فقد بدأت قضية التلوث تظهر شيئاً فشيئاً، وتتطور مع تطور المصفاة من جهة وازدياد الوعي البيئي من جهة أخرى، حتى صارت إلى ما هي عليه اليوم.
كان التحذير من أخطار تلويث المصفاة للبيئة هامشياً في البداية، حين طرح مشروع إنشائها في البرلمان السوري قبيل الوحدة، وإذا كان صحيحاً ما يقال عن اتهام الأصوات القليلة المحذرة من إنشائها قرب المدينة بأنها أصوات يمينية وحتى متآمرة، تريد تأخير المشروع وعرقلة تنفيذه مع إحدى دول المعسكر الاشتراكي نظراً لطغيان الأصوات اليسارية في ذلك الزمن، فيبدو من غير المستغرب اختصار النقاش البرلماني ـ الحكومي والوطني تحت وطأة خطاب انتصاري لكسر الاحتكار الغربي لصناعة النفط والانفتاح على المعسكر الشرقي في سبيل تحقيق ذلك. وكان من الطبيعي أن تتغلب العوامل الاقتصادية وحدها في ذلك النقاش، وأن يلعب عامل تقليص النفقات الدور الأبرز في حذف خيارات أخرى اقترحت لموقع المصفاة بعيداً عن الموقع الحالي.
وبقي ذلك الحديث عن التلوث هامشياً لفترة لاحقة أيضاًً، انعكاساً لضعف الوعي البيئي من جهة، ونظراً لبقاء ذلك التلوث نفسه محدوداً بطبيعة النفط العراقي الخفيف، وبطاقة تكرير لم تكن تتجاوز طوال سنوات عشر المليون طن سنوياً. لكن الحديث عن التلوث بدأ يتصاعد مع إطلاق مشروع التوسيع الثاني للمصفاة عام 1969، وبه انتقلت المصفاة إلى تكرير النفط السوري الثقيل بطبيعته، لتصل طاقتها الإنتاجية من تكرير نفط المصدرين إلى 2.7 م. طن.
فمع هذه المرحلة أصبح هواء مدينة حمص مختلفاً ومتميزاً برائحة يستغربها كل أبناء المدن الأخرى عندما يمرون فيها، أما أبناء المدينة فقد اعتادوا عليها، إلى درجة أنهم يجدون هواء المدن الأخرى غير مستساغ ودون طعمة! (أقصد بلا رائحة).
وهكذا، أخذ الحديث ينتقل من الانبهار العاطفي إلى الحديث النقدي، وبدأ الوعي بالتلوث ينتشر، فلم تعد أفكار مثل النظافة والقذارة والرائحة وغيرها كافية لتفسير ما يحدث للبيئة، بل أصبحت أفكار مثل تغير بيئة حمص واختلال توازن الطبيعة وتدمير مستقبل الحياة في المدينة وما حولها وحرمان الأجيال القادمة من تأمين حاجاتها، هي أفكار أكثر قدرة وملاءمة للتعبير عن الهم البيئي.
ومع تطور هذا الوعي، وتحت ضغط الضجيج الصادر عن أهالي حمص وبعض المسؤولين، بدأ التدخل لمعالجة آثار التلوث المرتبط بالمصفاة، وساير بدرجات متفاوتة المراحل اللاحقة من تطورها.
تطور مشاريع توسيع المصفاة
ـ في التوسيع الثاني عام 1969 بدأ تكرير النفط السوري، ووصلت طاقة تكرير المصفاة إلى 2.7 م. طن سنوياً.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى